تذبذب إسرائيلي حيال الدروز لا «انقلاب كاملاً» على الشرع يحيى دبوق الخميس 17 تموز 2025 متظاهرون في حماه ضد العدوان الإ
تذبذب إسرائيلي حيال الدروز: لا «انقلاب كاملاً» على الشرع
يحيى دبوق
الخميس 17 تموز 2025
متظاهرون في حماه ضد العدوان الإسرائيلي على سوريا (أ ف ب)
مع تصاعُد الجرائم والانتهاكات المرتكَبة ضدّ الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، تبرز بوضوح الفجوة بين الخطاب الرسمي الإسرائيلي، الذي يؤكّد «الالتزام الأخلاقي والمصيري» تجاه الدروز، وبين الواقع العملي، الذي يشير إلى تخلٍّ تدريجي ومتعمّد عنهم، في اللحظة التي كانوا فيها في أمسّ الحاجة إلى الدعم الموعود.
وأظهرت تطوّرات الساعات الأخيرة، الميدانية والسياسية، أنّ إسرائيل سمحت ابتداءً - ضمن تفاهمات محتملة أوسع - لقوات النظام السوري الجديد، وجماعات جهادية مرتبطة به، بمحاولة السيطرة على الجنوب السوري، ومن ضمنه محافظة السويداء؛ غير أنّ ما حدث لاحقاً، من مذابح ومشاهد تعذيب مصوّرة وإعدامات جماعية، أثار صدمةَ دروز إسرائيل، ودفع الأخيرة إلى إعادة قراءة المشهد، لكن من دون أن تغيّر في سياستها المترسّخة: العمل بحسابات إستراتيجية باردة، بعيداً من الالتزامات الأخلاقية، التي تَعِد بها شركاءها، ومَن تدفعهم وتغريهم بالشراكة معها.
إلى ما قبل أحداث أمس، أشارت الوقائع الميدانية إلى وجود تفاهم غير معلن بين تل أبيب ودمشق، مصحوب بضوء أخضر أميركي، شكّل رفع العقوبات عن سوريا أول إرهاصاته. والظاهر أنّ هذا التفاهم يسمح للنظام ببسط سيطرته على الجنوب، مقابل التزامه بمنع إيران وشركائها من استعادة نفوذهم على الأراضي السورية، والامتناع عن إدخال السلاح الثقيل إلى المنطقة الحدودية والجنوب عموماً، وكذلك، وهو الأهمّ، إلحاق سوريا بركب المطبّعين والمتماهين مع الإرادة الأميركية. إلّا أنّ هذا التفاهم لم يمنع النظام من فعل ما يمتهنه، وهو القوّة المفرطة والعنف الطائفي، تحت غطاء «استعادة السيطرة»، ممّا يُظهر أنّ التفاهمات لم تشمل، أو لم تتضمّن، حماية المدنيّين في المنطقة، وخاصة الدروز منهم.
وعليه، فقد أتت الصور البشعة الآتية من الجنوب، والتي تضمّنت إعدامات وتعذيباً وتشويه جثث، وقصّاً للّحى والشوارب، وانتهاكاً للكرامة الإنسانية، لتولد موجة غضب درزية داخل إسرائيل وخارجها، تجلّت في احتجاجات رمزية شملت عبور مئات الدروز من إسرائيل إلى سوريا.
إلّا أنّ تل أبيب، ورغم تصاعد تلك الضغوط، لم تقدِم أثناء الساعات الأولى على تدخّل برّي مباشر أو ضربات جوية كثيفة تستهدف البنية العسكرية العليا للنظام بشكل حاسم، بل اكتفت بضربات رمزية لم تغيّر من ميزان القوى الشيء الكثير، ما مثّل إشارة مشجّعة إلى النظام والجماعات المرتبطة به للمضيّ قدماً. أمّا الخطوات اللاحقة، وأبرزها الإغارة على محيط مبنى هيئة الأركان العامة والقصر الرئاسي في دمشق، فقد ظلّت في إطار ردّ الفعل المحدود، وإنّ الصاخب، ما يُظهر أنّ إسرائيل لم تغيّر إستراتيجيّتها الابتدائية، بل اكتفت بإعادة تذكير النظام بحدود التفاهمات.
بات الدروز ضحية سياسات إسرائيل ووعودها وحثّها على التمرّد
وتظهر الخريطة الميدانية، أنّ 80% من منطقة السويداء باتت تحت سيطرة النظام السوري الجديد، والجماعات المرتبطة به، وأنّ 200 مقاتل من التشكيلات الجهادية باتوا داخل المدينة ونحو ألف خارجها، إذ يشاركون في تنفيذ عمليات القتل والتعذيب بحقّ المدنيين. وبحسب تسريبات الجيش الإسرائيلي إلى الإعلام العبري، فإنّ تلك «العملية مخطّطة ومدروسة، وهي تُنفَّذ بأمر مباشر من النظام»، وهو ما يثبت، وفقاً للمصادر، أنّ ما يجري ليس مجرّد انفلات أمني، بل مجزرة منظّمة تُنفّذ ضمن إستراتيجية واضحة وهادفة.
إزاء ذلك، ورغم أنّ تصريح وزير الأمن، يسرائيل كاتس، عن أنّ «الضربات المؤلمة بدأت»، مثّل إشارةً تصعيدية «كلامية»، غير أنّ تحليل الميدان يُظهر أنّ الضربات لم توقف التصعيد، بل جاءت متأخّرة، فضلاً عن كونها رمزية. فالجيش الإسرائيلي نفسه يتلطّى خلف حجج قد تكون واهية، من بينها أنّ التمييز بين المقاتلين الدروز وقوات النظام صعب للغاية، ما يفسّر، وفقاً للمصادر العسكرية الإسرائيلية، «التردّد في التصعيد الكامل»؛ علماً أنّ المسؤولين الإسرائيليين يعترفون بأنّ القرار بالتدخّل جاء متأخّراً جدّاً، وأنّ إسرائيل انتظرت ساعات طويلة قبل أن تبدأ بالردّ العسكري، رغم أنّ المجازر كانت تجري أمامها بشكل واضح.
لكن، ما الذي دفع إسرائيل إلى التلكّؤ؟ قد تكون الرغبة في الحفاظ على التفاهمات مع النظام الجديد واحدةً من أهمّ الأسباب، وكذلك الحسابات الإقليمية والدولية، خصوصاً مع الولايات المتحدة، إضافة إلى التركيز على ساحات أخرى، أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى تل أبيب. أمّا النتيجة، فهي أنّ النظام السوري سيطر على معظم المنطقة المستهدفة، فيما بات الدروز ضحية سياسات إسرائيل ووعودها وحثّها إياهم على التمرّد ومن ثمّ التخلّي عمّن تجاوب معها منهم.
وعلى أي حال، ربما يكون الجيش الإسرائيلي الآن في طور إعادة تقييم المشهد، لكنه لا يمتلك وصفة سحرية لتغيير الواقع. ومع أنّ المشاهد الآتية من السويداء، تسبّبت في أزمة داخلية حقيقية، ودفعت بعض القادة إلى التصريح بوجوب أن تختار إسرائيل بين الشراكة مع الدروز، أو مع «داعش»، فإنّ تل أبيب اكتفت بالتكيّف مع المعطيات الجديدة من دون الإضرار بالتفاهمات، وإنْ أدّت ردود الفعل إلى تأجيل جانب من هذه الأخيرة.
لكن، هل ستُضطر إسرائيل إلى البعث برسائل جديدة أكثر حزماً إلى النظام السوري، عبر تنفيذ ضربات أوسع نطاقاً وأشدّ تأثيراً، بهدف إعادة تحديد التفاهمات ووقف التجاوزات المتكرّرة؟ في الواقع، الكرة الآن في ملعب النظام السوري، وهو مَن سيحدّد، عبر مقاربته وممارساته، طبيعة ردود إسرائيل وأفعالها المقبلة، علماً أنه لا حاجة ماسّة لديه إلى الاستمرار في سلوكه الحالي، بعدما حقّق سيطرة شبه كاملة على الساحة الميدانية.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها